وتشمل هذه الأجندة وضع مصر على الطريق نحو الإصلاح الاقتصادي المطلوب لتأمين الحصول على قرض "صندوق النقد الدولي" في المستقبل. وقد فسّر رئيس الوزراء الببلاوي أن مجلس وزرائه الحالي سوف يضع الأساس الاقتصادي للحكومات المستقبلية عن طريق جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، مع ترك مهمة المبادرات الإصلاحية الكبرى للإدارة المنتخبة القادمة.
عقد مجلس الوزراء المؤقت الجديد في مصر أول اجتماع رسمي له في ٢١ تموز/يوليو، وحقيقة وجود حكومة جديدة سوف تمثل أولى بذور إرساء الاستقرار في مصر. إلا أن هذا المجلس يتسم بالتفرد من الناحية التاريخية، حيث إن الجيش وضع أجندته بالفعل باتفاق جميع القوى السياسية باستثناء جماعة «الإخوان المسلمين»: وتتمثل مهمته تحديداً في الإشراف على عملية التحول السياسي السريعة إلى حكومة منتخبة. لقد كانت الرئاسة في السابق، خاصة في زمن حسني مبارك، هي من تضع أجندة مجلس الوزراء، لكن الرئيس المؤقت الحالي عدلي منصور ما هو إلا رئيس صوري ليست له أي أجندة أو نفوذ سياسي. وبدلاً من ذلك، وضع الجيش خارطة طريق انتقالية محددة وسوف يتأكد من اتباع المدنيين في مجلس الوزراء لها. ويفهم جميع الوزراء المعايير المسموح لهم بالعمل بمقتضاها ولن يحيدوا عنها.
لقد كانت الرئاسة في زمن حسني مبارك، هي من تضع أجندة مجلس الوزراء، لكن الرئيس المؤقت الحالى عدلي منصور ما هو إلا رئيس صوري ليست له أي أجندة أو نفوذ سياسي، فوضع الجيش خارطة طريق انتقالية محددة وسوف يتأكد من إتباع المدنيين في المجلس لها.
عودة الحرس القديم
لا تحمل تشكيلة مجلس الوزراء طابعاً ثورياً طاغياً، حيث لا يوجد أي من الزعماء الشباب من بين المعيّنين. ومع ذلك، يبدو هذا النهج مفهوماً في هذه المرحلة في ضوء الطبيعة المؤقتة للحكومة الانتقالية والحاجة إلى تكنوقراط متمرسين. وقد كان رد الفعل جيداُ من قبل المجتمع الدولي، كما وصف ذلك وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، "أعرف شخصياً عدداً منهم، وأعرف أنهم أشخاص أكفاء للغاية."
ومع ذلك، فللحكومة الجديدة نقص رئيسي واحد: عودة ظهور الحرس القديم، الذي يشغل عدة مناصب بارزة في مجلس الوزراء الذي يضم خمسة وثلاثين عضواً. فوزير الخارجية الجديد نبيل فهمي كان سفير مصر في واشنطن في الفترة ١٩٩٩-٢٠٠٨ وكان مسؤولاً عن ملف خلافة جمال مبارك. ووزير التنمية المحلية عادل لبيب كان محافظ الإسكندرية والبحيرة في نظام حسني مبارك. وشغل وزير الإعلام درية شرف الدين منصب عضو في لجنة السياسات في "الحزب الوطني الديمقراطي" المنحل في عهد مبارك. كما كان وزير النقل ابراهيم الدميري في نفس المنصب في عهد مبارك، واضطر إلى الاستقالة عام ٢٠٠٢ بعد حادث قطار مأساوي. وعمل وزير الإسكان إبراهيم محلب رئيسا معيناً من قبل الحكومة لـ "شركة المقاولون العرب" خلال عهد مبارك وشغل هذا المنصب لمدة دامت عشر سنوات. وكان وزير الزراعة أيمن أبو حديد جزءاً من حكومة مبارك الأخيرة التي تم تعديلها خلال الانتفاضة التي دامت ثمانية عشر يوماً. وترأس وزير التخطيط أشرف العربى المكتب الاستشاري الفني للوزيرة فايزة أبو النجا في عهد مبارك في الفترة بين ٢٠٠٦ و ٢٠١١. بالإضافة إلى ذلك يتمتع وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي (ضابط استخبارات عسكري كبير في عهد مبارك)، واثنين من الجنرالات العسكريين السابقين في مجلس الوزراء بعلاقات وثيقة مع نظام مبارك وهما: وزير الطيران المدني عبد العزيز فاضل ووزير الإنتاج الحربي رضا محمود حافظ محمد. وكان هذا الأخير عضواً في "المجلس الأعلى للقوات المسلحة"، الذي حكم بعد سقوط مبارك.
وفي الوقت ذاته، يضم المجلس في تشكيلته عدداً غير مسبوق من النساء والمسيحيين (ثلاثة من كل منهما). كما أن غالبية المعُينين هم من التكنوقراط دون أن تكون لهم أي انتماءات لأحزاب سياسية؛ ويتمتع ثمانية وزراء فقط بعلاقات كهذه، وقد استقالوا جميعهم من عضوية أحزابهم أو قاموا بتجميدها. وعلاوة على ذلك، لدى الأحزاب الأربعة المعنية توجهات أيديولوجية متباينة (على سبيل المثال، "حزب الكرامة الناصري" و "حزب الدستور" الاشتراكي الديمقراطي)، مقارنة بحكومة رئيس الوزراء الأسبق هشام قنديل، حيث كان أعضاؤها من أصحاب الانتماءات الحزبية هم في الغالب من الذراع السياسي لـ جماعة «الإخوان المسلمين».
لا تحمل تشكيلة مجلس الوزراء طابعاً ثورياً طاغياً، حيث لا يوجد أي من الزعماء الشباب من بين المعيّنين. ومع ذلك، يبدو هذا النهج مفهوماً في هذه المرحلة في ضوء الطبيعة المؤقتة للحكومة الانتقالية والحاجة إلى تكنوقراط متمرسين. وقد كان رد الفعل جيداُ من قبل المجتمع الدولي، كما وصف ذلك وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، "أعرف شخصياً عدداً منهم، وأعرف أنهم أشخاص أكفاء للغاية."
وأخيراً، هناك عشرة وزراء في الحكومة الجديدة كانوا قد شغلوا مناصب وزارية في حكومة قنديل، من بينهم وزير السياحة هشام زازو، الذي استقال عندما عين الرئيس السابق محمد مرسي عضو "الجماعة الاسلامية" عادل الخياط حاكماً لمدينة الأقصر. والأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو قرار الاحتفاظ بوزير الكهرباء أحمد إمام، الذي واجه انتقادات كثيرة قبل انتفاضة ٣٠ حزيران/يونيو بسبب استمرار أزمة انقطاع التيار الكهربائي. والغريب في الأمر، أن جماعة «الإخوان المسلمين» تدعي أن الاحتفاظ بالوزير إمام في منصبه هو دليل على وجود مؤامرة أكبر ضدهم - وهي حجة لا معنى لها نظراً لأنه كان معين من قبل «الإخوان المسلمين» في حكومة مرسي.
دور الحكومة الجديدة
في مقابلة مطوّلة قبل انعقاد أول اجتماع رسمي لمجلس الوزراء الانتقالي، أكد رئيس الوزراء الجديد حازم الببلاوي على الحاجة إلى تجسير فجوة الاستقطاب السياسي من أجل تعزيز فهم أوسع نطاقاً بين جميع القوى السياسية. وسيتزعم هذه الجهود محمد أمين المهدي، الذي سيشغل منصب وزير العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية. وقد قررت جماعة «الإخوان» عدم الاعتراف بعملية التحول السياسي الحالية، لذا سيكون من المهم التواصل مع «الجماعة» - وخاصة مع قادة «الإخوان» من الدرجة الثانية - وإدراجها في العملية. بيد، إن مثل هذا الإدراج لا يمكن أن يحدث إذا لجأت «الجماعة» إلى أعمال العنف والإرهاب.
وسيكون دور الببلاوي الأكثر بروزاً في المجال الاقتصادي، فهو اقتصادي ذائع الصيت. كما أن شبكته السياسية محدودة، وهو يعتمد بشكل مكثف على الآخرين لترشيح أشخاص لشغل مناصب وزارية. وسوف يكون نوابه أكثر تأثيراً في عملية صنع القرار، وخاصة تلك التي تتعلق بالملف الأمني.
إن التحديات هائلة بالنسبة للوزراء الجدد، كما أن التوقعات مرتفعة. ولكي يكون مجلس الوزراء الانتقالي قادراً على تحقيق النجاح، يجب على القاهرة أن تتمسك بخارطة الطريق الانتقالية من خلال صياغة دستور مجمع عليه وتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة بأسرع وقت ممكن. والأهم من ذلك أنه يتعين إدراج «الإخوان المسلمين» في العملية، حيث إن تنفير «الجماعة» وإقصائها سيكون خطأ استراتيجياً لعملية التحول الديمقراطي في مصر.
والفريق أول السيسي، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع، هو اللاعب الرئيسي الذي يهيمن [على صنع القرارات] وراء الكواليس، لكنه لن يعمل وحده - وسوف يلعب نائب رئيس الوزراء زياد بهاء الدين أيضاً دوراً رئيسياً في الحكومة. وفي ظل الحكومة السابقة، رفض بهاء الدين عرضاً بشغل منصب نائب رئيس الوزراء تحت رئاسة قنديل، حيث كان يؤمن بأن دوره سيكون سطحياً وأنه لن يكون له أي تأثير على عملية صنع القرارات. ويشير قبوله بهذا المنصب في مطلع هذا الشهر إلى اعتقاده الراسخ بأنه يستطيع تثبيت الوضع الاقتصادي والانضمام إلى الدائرة الداخلية لصنع القرارات. وإلى جانب وزير المالية الجديد أحمد جلال، المصرفي الذي عمل لفترة طويلة في "البنك الدولي"، سوف يلعب بهاء الدين دوراً جوهرياً في وضع الأجندة الاقتصادية للفترة الانتقالية.
وتشمل هذه الأجندة وضع مصر على الطريق نحو الإصلاح الاقتصادي المطلوب لتأمين الحصول على قرض "صندوق النقد الدولي" في المستقبل. وقد فسّر رئيس الوزراء الببلاوي أن مجلس وزرائه الحالي سوف يضع الأساس الاقتصادي للحكومات المستقبلية عن طريق جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، مع ترك مهمة المبادرات الإصلاحية الكبرى للإدارة المنتخبة القادمة. ومن المتوقع أن تستمر المرحلة الانتقالية تسعة أشهر، حيث من المقرر إجراء الانتخابات البرلمانية في كانون الثاني/يناير ٢٠١٤ والانتخابات الرئاسية في آذار/مارس.
وبالنظر إلى أن عدد قليل من الوزراء سيكون قادراً على تجسيد المرحلة الانتقالية، فإن مجلس الوزراء المؤقت هو بصورة جزئية مجلس رمزي [أو شكلي فقط]. وسوف تقتصر الغالبية العظمى من المعينين وإلى حد كبير على إدارة وزاراتهم الخاصة بطريقة مستقلة. ولن يقوم وزير الخارجية فهمى بإعادة توجيه السياسة المصرية أو القيام بأي مبادرات رائدة. فكما أوضح خلال مؤتمر صحفي عقده مؤخراً، "إن وزارة الشؤون الخارجية تعطي أولوية قصوى لشرح أهداف ثورة ٣٠ حزيران/يونيو". كما أشار إلى أن مصر سوف تعيد تقييم قرارها بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا وسوف تدخل في حوار للتغلب على خلافاتها مع إثيوبيا. وسوف يلعب فهمى دوراً ثانوياً وراء نائب الرئيس محمد البرادعي، الذي يتواصل أيضاً مع المجتمع الدولي وهو مسؤول عن ملف السياسة الخارجية.
وفي الوقت نفسه، سيقوم وزير التنمية المحلية عادل لبيب بتسمية حكام جدد في المستقبل القريب لملء الوظائف الشاغرة التي كان يشغلها سابقا أشخاص معينين من قبل «الإخوان». وأشار وزير التموين، محمد أبو شادي، أن مصر سوف تستأنف استيراد القمح من أوكرانيا ورومانيا وروسيا. وكان سلفه، باسم عودة، قد أوقف تلك الاستيرادات، مما اضطر البلاد إلى الاعتماد على محصولها المحلي.
وإجمالاً، فإن التحديات هائلة بالنسبة للوزراء الجدد، كما أن التوقعات مرتفعة. ولكي يكون مجلس الوزراء الانتقالي قادراً على تحقيق النجاح، يجب على القاهرة أن تتمسك بخارطة الطريق الانتقالية من خلال صياغة دستور مجمع عليه وتسليم السلطة إلى حكومة منتخبة بأسرع وقت ممكن. والأهم من ذلك أنه يتعين إدراج «الإخوان المسلمين» في العملية، حيث إن تنفير «الجماعة» وإقصائها سيكون خطأ استراتيجياً لعملية التحول الديمقراطي في مصر.
عادل العدوي هو زميل الجيل القادم في معهد واشنطن.